عدد الرسائل : 616 العمر : 33 البلد : منتداى الغالى العمل/الترفيه : طالب المزاج : نقى تاريخ التسجيل : 16/04/2008
موضوع: أزمة غزة أم أزمة شعور لدينا؟ الجمعة يناير 02, 2009 1:22 pm
فهم جيداً أن يرى أحدنا مشاهد الدماء التي تسيل من أجساد أحبائنا الفلسطينيين المحاصرين في غزة الحبيبة، فتكسر تلك الصور لديه ما اعتدناه لسنوات من رؤية مشاهد الأشلاء المتناثرة للرجال، ومن قبلهم للشيوخ، وللنساء.
(أزمة غزة أم أزمة شعور لدينا؟)
فقد اعتدنا ـ للأسف ـ على رؤية آثار الدم العربي المراق، وان كان للأطفال، وأحياناً من دونهم من الرضع، ونحن مستمرون فيما نفعل من تناول للطعام، أو التلذذ بمداعبة صغارنا، بخاصة أنه لم تعد لدينا مأساة فلسطين الحبيبة، فقط، بل صارت لدينا مأساة أخرى في العراق الشقيق، هذا إن اكتفينا بهما متناسين مآسي أخرى، وقد صرنا نتعامل مع هذا وذاك من أصحابها على أن الأمر يهمهم لايهمنا و يخصهم وحدهم، ولا يخصنا، أو أن هناك خطأ ما أو تقصيراً لا نعلمه ولا يعلمونه قد وقع عليهم فجرفهم إلى ما هم فيه، ولذلك فإن الشأن شأنهم عليهم معالجته بأنفسهم، وفقاً لما لديهم، أو لما ليس لديهم، بمعنى أدق، من المعطيات، وما الحرص على عدم تصدير الأزمة الحالية لمصر، واستمرار إغلاق معبر رفح في وجه الفارين من الغزاويين من الذبح منا ببعيد. وللحقيقة فإنني أتفهم أن يجزع الواحد، إذا ما استطاع ضميره أن يفيق من نوبات السبات العميق المتلاحقة، وذلك لمقدار ما يراه الآن من الدم الفلسطيني العربي المسلم المراق في غزة منذ صباح السبت الماضي، فيكسر ذلك لدى الواحد منا حاجز ما اعتاده من رؤية سيلان للدماء الشقيقة، أو لربما لكثرة الضحايا هذه المرة، وبالتالي تنوع دماء أصحابها ما بين صغير يوشك على الفطام، وكبير أضناه الجوع والحصار، أو امرأة ذهبت روحها إلى بارئها شاكية قسوة العدو، وهوانها على الشقيق اليعربي القريب. نعم أتفهم ممن يرى الدماء التي سالت أودية فوق الأرض، ولا تزال تسيل، نسأل الله أن يحقن دماء المسلمين، أتفهم أن بتأثر وجدانياً، للوهلة الأولى بخاصة، فيتمنى ألا تكون (حماس) قد أعطت العدو الصهيوني المتغطرس الحجة الواهية ليبدأ عدوانه الغاشم على أهلنا في غزة.
أما الذي لا أتفهمه، ولا أظن عاقلاً في الكون، أو منصفاً يقبله، فهو سيل المقالات التي تنهمر في صحفنا ومواقعنا الالكترونية، وفضائياتنا (العربية) والتي تحمل حماس المسؤولية الكاملة عما يجري في غزة، وعن الدم الزكي الطاهر الذي يسيل فيها. وحينما تقرأ هذه المقالات، أو ترى وجهة نظر تلك الفضائيات، يخيل إليك أن (حماس) بادرت بالهجوم أو بإلقاء الصواريخ أو (بمب العيد) كما تجرأ أحد المذيعين في إشارة لعدم جدوى فعل حماس. حينما تطالع وتشاهد أو تسمع يستقر في روعك أن حماس إنما بادرت، وبدون سبب واضح بالهجوم على دولة بالغة القوة، وأوقع حماس حظها العاثر فيها، فبادرت بضربها ضرباًً هزيلاًً لم يحقق لها شيئاً، وجر عليها عواقب لا قبل لها بها، ولا طاقة لديها للصبر عليها.
إن هؤلاء لا يقلبون الحقائق فقط، ولا يتناسون ما يعرفه القاصي والداني من الوضع المأساوي في غزة والمستمر منذ فترة ليست بالقصيرة، ولا يتجاوزن في حق حقائق اجتماعية بالغة الوضوح كانت تقتضي من المخلص من أبناء هذه الأمة أو ممن يدعي أنه كذلك أن يتناسى خلافات الرأي اليوم حيال هذا المصير البالغ الصعوبة الذي يواجه شقيقه لا عدوه، ولا بغيضه، بل يزيدون على ذلك. وإن من الأعداء اليوم لمن يتفجر ماء الحياء والرحمة من صخر قلوبهم تجاه معاناة الأهل في غزة، ولا يحدث هذا من بعض إخواننا، بل إنهم ليتنادون آناء الليل، وأطراف النهار بأنه ليس في الإمكان إلا القبول بهذا الذل والهوان، بل التضييق والجوع والحصار، وكأننا نقول للمذبوح: أحسن إراحة ذابحك كي لا يضطر لمعاملتك بقسوة أكثر، أو أن يضطر للزج بابنك أو بزوجك بالإضافة إليك، مما سيجعلنا نشعر بمزيد من الحزن عليك، وهذا ما لا نريده منك، فكفانا ما تشعرنا به من ألم، فمن فضلك لا نريد المزيد منه.
والذين تعلو أصواتهم اليوم بهذه الدعوات إنما سبق لهم أن تنادوا بها من قبل، وأثناء العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني في تموز /يوليو 2006م، وإنما هم يتمادون في تلك الدعوات اليوم، متناسين أن النتيجة في هذه الحرب إنما جاءت مغايرة تماماً لما توقعوا من هزيمة جديدة للأمة، وإن كان المزيد من الأحبة اللبنانيين قد سقطوا، إلا أنه لم يعتذر واحد منهم، في النهاية، عن وجهة نظر خاطئة للأسف أصم بها آذاننا آنذاك، وحينما تحقق النصر لحزب الله انسحب هؤلاء في صمت .
فإلى أولئك السياسيين، ومن يسير في ركابهم :
إن لم يكن لديك علاج لمآسينا المتراكمة، فنرجوكم ألا توهنوا من عزيمة الأمة، وتدفعوها لمزيد من التخاذل أمام تكالب أعدائها الدائم عليها، وتذكروا أن للتاريخ ذاكرة حديدية، وإنها لن تنساكم، وستذكر لكم سيء الأقوال فضلاً عن الأفعال، وكيف أنكم كنتم حجر عثرة في طريق هذه الأمة، وإنكم تناديتم بتثبيط عزيمتها، وبقبولها ما فرض عليها من قبل أعدائها، وقبلتم أن يتم اجتزاؤها كي يقتل أبناؤها جزءا فجزءًا مقابل أن تستمر هناءتكم لسنوات، غير مبالين بالإرث الشديد الذي تتركونه لأبنائكم، هذا إن استمر ترك العدو لهم أنفسهم طوال حياتهم، وهو ما رفض ولو جزئياً، للأسف، ولو بالقول فقط، من قبل بعض من لا يتكلمون بلغتنا ولا يدينون بديننا. وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ يقول: اللهم إني أشكو إليك ضعف المؤمن عن الحق وجلد الكافر على الباطل.